Thursday, August 27, 2009

الأسبوع ما بعد الأخير

أطلّ على بحر بيروتْ كرحالةٍ صغيرة..تمنيت لو انني تقدمت في العمر هنا، بين أطفال المراجيح الملونة و مناقيش البلد..التي اصبحت فيما بعد "داون تاون" رغم إرادة أهلها ..اولئك الذين لا يستطيعون مغادرتها.
صديقي منذ ثمانية أعوام لم يطئ ذلك الداون تاون..الداون بطيخ كما أدعوه أنا
أرغب بالحزن الآن
بحزم حقائب الذاكرة و لفها في سجادة قديمة كالتي كان أبي يشارك أمي في طويها...عليّ أن أرميها..ألا أخبئها في غرفة النوم الصغيرة..
من تود التزود بالألم..أهو دور الضحية ، نتمتع بأدائه إلى أن نجيده دون وجود ما يتطلب ذلك.
اليوم لا اكتب بانسيابية الأمس.أو حتى برقةِ الأمس..يا "قصة الأمس"
في يدك اليوم تركت يدي ، كي أستفتي قلب البحر ..أماؤك ما أرجوه أم حنان المحب؟
دورة القمر تجاوزتني هذا الشهر دون أن ينساب الموج في جذعي كمشمشةٍ أتت في أيار .
طويل إلى أن تجاوزنا حكايتنا
أكتب كي تذوب العتمة عن رؤيتي القلقة للكون ، لمدينتي، لأسرتي الطيبة..أكتب كي أعترف بضعفي، كي أحبّني أكثر، لا لهم، أو لنقدهم الظريف او الهش أو "الدج"*
حلب تتعاطف مع نفسها كي أحبها أكثر..لن أبوح لآخرٍ بعجزي عن اليأس..أعيش الامل بأقطابه الألف، أسرع لأحضانه بعد أن أحضر له تفاحا و صابون غار و أسطوانة أسمهان الوحيدة.
أنهيت لتوي قراءة هالة كورثاني "الأسبوع الأخير" التي أبت أن تسميها رواية لأنها بدت كأنها تكتب حياتها، رحلتها للرحيل عن بيروت,,تمسكها بتلك الرغبة،، عزلتها عن المكان ، قضاء وقتها أمام التلفزيون علّ ضجيجه يملأ فراغها بما يعجر عن ملئه الضياع و الحزن خارج الجدران..رأيت نفسي في ليلى و هالة..التي لم تمنح اسما لنفسها في نصها..كنت كأنني أقرأ حياتها لا عملا أدبيا جادا لها..الحياة أيضا بوسعها أن تكون أكثر الأعمال جدية للكتابة و للنشر أيضا
أمر بك لا كبردى...بريدي يضج بأنفاسي الطويلة حين أبتعد عن أحجارٍ كبرنا معاً..
جمود ما يمنعني من الكتابة عن العودة..او ربما خوف من مكاشفة الذات باكتشافاتها الجديدة..او افصاح عن عدم الرغبة بالعودة الدائمة فيما بعد..أو هو تأجيل للوداعاتِ الحتمية و تلك التي لا داعي للتحضير لها قبل عامٍ و اسبوعين من الرحيل الأطول الثاني.
اشتياقي كان أعمق من احساسي بعد العودة بالشوارع..لم يك ألقها كما ظننت. تمسكني حلب من رقبتي الصغيرة ، تعصرها بقسوة أمٍ لم تغادر حارتها إلا لبيت زوجها. رسائل مي تقهرني ، لم تكتب لي و التوق ينهك راحتينا .اي اصابع تراك ِ تستخدمين، اي الاحلام هي الاكثر اقترابا لرغبتك بالعودة، او بزيارة مدينتك الذائبة في السحر كأنها قنديلٌ في زاوية الشارع البارد. أول ما كتبتِ لي، استئذنتِ قلبي انه سيوجعني, يوجعني رأسي و أطرافي ، علامة الولادة على ذراعي الايمن..لا زالت تشبه كلبا أبيضا، يحمّر قليلا في الصيف، كأنه يود تذكيري أنه خريطة بلد قد أتقلم مع وجوهه ذات يوم،، او أصنع مركبا من الخشب أجذف به حيث أرى عليا و ابراهيم ، وائل و أبو خالد و منذر و مينو..لا أجيد السباحة إلا انني لن استطيع الابتعاد عن عيونهم المشرقة و أصواتهم المشتبكة بشرايين روحي.
علمتني أيام قضيتها مع نفسي ألا أضجر من الوحدة، أن هنالك عادات أكثر إتعابا من الغياب..هو الآخر عادة ..الا نغيب في غرفنا المطلية بالبرد، و شبابيكنا المصقولة الأقفال كأن الطقس متربص بنا كعدو. أعترف بأن الملل هو عدو الفرح و الرقص و الكتابة ..لي ربما..حين تملين من يومك المضطرب الخالي من اي ضحك مقصود، لا تتلعثمي أمامهم ، لا تغلقي الباب كل يوم، افتحيه و اخرجي، خذي زجاجة ماء أو كونياك، أسكبيها بسخاء في فمك الجاف، ستطرى حنجرتك و يصبح الغناء محاولة للحياة، و العري هدنة مع الذات.
لا تعادي الأمل اليوم، غدا سيكون موبوءا اذ تفعلين ذلك, حين تعقلين، يعيد الكون ترتيب أوراقه، يصر على الحديث معك شخصيا دون ان يستفز الريح..طقس اليوم الرطب أو يوتّر زحمة السير.
ماذا تعرفين عن الزحام حين تفرغين من نفسك،
من الآخرين،
من الماء كله الذي شربتيه الثلاثاء الماضي؟
لا أريد ردا اليوم، و لا غدا..
ارغب ان اتعاطى ضحكاتك كمخدر بطيء يمتصه دمي ليتدحرج فوق وجهي كصينية "لحمة بكرز".

No comments: