Tuesday, April 21, 2009

أمي




عامان و لا زلتِ معي

مثل دمي

أمي


خمسُ رسائل إلى أمي - نزار قباني

صباح الخير … يا حلوة …

صباح الخير … يا قديستي الحلوة

مضى عامان يا أمي

على الولد الذي أبحر

برحلته الخرافية

وخبأ في حقائبه …

صباح بلاده الأخضر

وأنجمها، وانهرها، وكل شقيقها الأحمر

وخبأ في ملابسه

طرابيناً من النعناع والزعتر

وليلكةً دمشقيةً …

* * * *

2

أنا وحدي …

دخان سجائري يضجر

ومني مقعدي يضجر

وأحزاني عصافيرٌ …

تفتش – بعدُ – عن بيدر

عرفت نساء أوروبا …

عرفت عواطف الإسمنت والخشب

عرفت حضارة التعب …

وطفت الهند، طفت السند، طفت العالم الأصفر

ولم أعثر …

على امرأة تمشط شعري الأشقر

وتحمل في حقيبتها …

إليَّ عرائس السكر

وتكسوني إذا أعرى

أيا أمي …

أيا أمي …

أنا الولد الذي أبحر

ولا زالت بخاطره …

تعيش عروسة السكر

فكيف … فكيف يا أمي

غدوت أباً …

ولم أكبر …

* * * * *

3

صباح الخير، من مدريد

ما أخبارها الفلة ؟

بها أوصيك يا أماه …

تلك الطفلة الطفلة

فقد كانت أحب حبيبة لأبي …

يدللها كطفلته

ويدعوها إلى فنجان قهوته

ويسقيها …

ويطعمها …

ويغمرها برحمته …

… ومات أبي

ولا زالت تعيش بحلم عودته

وتبحث عنه في أرجاء غرفته

وتسأل عن عباءته …

وتسأل عن جريدته …

وتسأل - حين يأتي الصيف –

عن فيروز عينيه …

لتنثر فوق كفيه …

دنانيراً من الذهب …

* * * * *

4

سلاماتٌ .

سلاماتٌ .

إلى بيت سقانا الحب والرحمة

إلى أزهارك البيضاء … فرحة (ساحة النجمة)

إلى تختي …

إلى كتبي …

إلى أطفال حارتنا …

وحيطان ملأناها …

بفوضى من كتابتنا …

إلى قطط كسولات

تنام على مشارفنا

وليلكةٍ معرشةٍ

على شباك جارتنا

مضى عامان … يا أمي

ووجه دمشقَ،

عصفور يخربش في جوانحنا

يعض على ستائرنا …

وينقرنا …

برفق من أصابعنا …

مضى عامان … يا أمي

وليل دمشقَ

فلُّ دمشقَ

تسكن في خواطرنا

مآذنها … تضيئ على مراكبنا

كأنَّ مىذن الأموي …

قد زرعت بداخلنا …

كأنَّ مشاتل التفاح …

تعبق في ضمائرنا

كأنَّ الضوء والأحجار

جاءت كلها معنا …

5

أتى أيلول أماه …

وجاء الحزن يحمل لي هداياه

ويترك عند نافذتي

مدامعهُ وشكواهُ

أتى أيلول … أين دمشق ؟

أين أبي وعيناه

وأين حرير نظرته ؟

وأين عبير قهوته ؟

سقى الرحمن مثواه .

وأين رحاب منزلنا الكبير …

وأين نعماه ؟

وأين مدارج الشمشير …

تضحك في زواياه

وأين طفولتي فيه ؟

أجرجر ذيل قطته

وآكل من عريشته

وأقطف من (بنفشاه).

دمشق . دمشق .

يا شعراً

على حدقات أعيننا كتبناه

ويا طفلاً جميلاً …

من ضفائره صلبناه

جثونا عند ركبته …

وذبنا في محبته

إلى أنْ في محبتنا قتلناه

3 comments:

A.D.ISLIM said...

When I read the first letter I felt afraid that this will be my letter after a year :( ... I will invite my mother to visit me because I can't handle all of these days without her ....
You are so wonderful and sensitive girl Manar :) Be good, and you will see you family soon :) .. with my best wishes all the time ...

مترجم سوري said...

:(

Unknown said...

Very touching words! Every time i read something about motherhood i just get overwhelmed with emothions. I can easily identify with Nizar's words and feelings having lived years and years away from my dear mother. It seems the more I grow up and mature, the more my affection and attachment for my mother grows. It's a strange world we live in! We're inveitably forced to curtail our emotions for the greater good of our personal and professional advancementm often loosing track in this transition of our human side that constantly cries for that sweet and marvellous feeling; the love for our mothers!!! I know I will be bringing my mom to visit or vice verce as often as I could! Thank you Manar.